العربية

ما هو أساس الأممية الذي غيره البلاشفة؟ حزب العمال أو حزب الشيوعيين

الفصل الثالث عشر من كتاب “الشيوعية الجديدة”
ما هو أساس الأممية الذي غيره البلاشفة؟
حزب العمال أو حزب الشيوعيين

إن انحراف البلشفية عن مبادئ أممية العمال الاولى هو تغيير تعريف الحزب كجزء معين من الطبقة العاملة، التي لديها خط وبرنامج سياسي محدد، وليس كحزب للطبقة العاملة بأكملها، التي يحدده ماركس وأنجلس.
تفسير هذه الانحرافات مهم في هذه الدراسة لأنه:
أولا، يتبع معظم نماذج الحزب الشيوعي في القرنين العشرين والحادي والعشرين النموذج البلشفي، الذي يعتبر نموذج حزب الطبقة العاملة، الذي يمنع وحدة الطبقة و يمنع أيضاً لكي يلعب الجزء المتعلم والشيوعي من الطبقة العاملة دوراً كمنظم أو متحد مع لطبقة وبقائها في هوامش وفرق السلبيين.
ثانيا، إن التعرف في هذه الانحرافات يسلط الضوء على السبب في إمكانية تغيير هذا النموذج من حزب العمال إلى حزب برجوازي وبيروقراطي خلال انتصار الثورة والاستيلاء على السلطة.
ثالثا، التعرف على مبادئ حزب العمال واختلافاته الرئيسية لنموذج الحزب البلشفي، الذي نعرف بموجبه النموذج الجديد للشيوعية، سواء كحزب أو كسلطة و برنامج اقتصادي.
وللدخول في هذا الأمر، نحتاج أولا إلى تسليط الضوء على المبادئ أممية العمال الاولى المتعلقة بتعريف حزب العمال ثم تحليل تاريخ وعملية التغييرات داخل الحزب البلشفي.
تأسست المنظمة الاممية الأولى كأول منظمة سياسية للعمال الأوروبيين في أكتوبر 1864. وكان أحد المبادئ الرئيسية لهذه المنظمة هو: “النقطة الرابعة. “لا ينبغي تكرار أخطاء التقسيم السابق لحركة العمال، وينبغي الدعوة إلى توحيد سريع لجميع الأجزاء المعزولة من حركة العمال” . *1
بعد ثورة كومونة باريس في سبتمبر 1871، اقترح ماركس قرارا اممياً بشأن إنشاء أحزاب سياسية من الطبقة العاملة، ثم في عام 1872، سيتم تحديد الزيادة في هذه النقاط، مع أغلبية والأصوات المعارضة والأصوات المعلقة(29 مقابل 5 و 8).
وقد تم التأكيد في هذا القرار على هذه المبادئ:
• في الكفاح ضد السلطة المشتركة للطبقات المالكة (الرأسماليون وملاك الأراضي)، لا يمكن للعمال أن يعملوا كطبقة حتى لا ينظموا أنفسهم كحزب مختلف ضد جميع فئات المالكة.
• من المقرر أن يوحد الحزب النضال الاقتصادي الذي بدأه العمال أنفسهم، وفي الوقت نفسه تعزيز هذا النضال ضد السلطة السياسية للرأسماليين وأصحاب العقارات. ” *2
ما ورد هنا هو نفس المبدأ الذي جاء في البيان الشيوعي بأن ” إنّ الشيوعيين ليسوا حزبا منفصلا في مواجهة الأحزاب العمالية الاخرى وهم لا يطرحون مبادئ خاصة يريدون قَولَبَة الحركة البروليتارية بقالبها”. *3

وقد برزت هذه الخطوة لإنشاء الأحزاب السياسية للطبقة العاملة كمستوى من التطور السياسي لحركة العمال، نتيجة للتأثير الاممية الأولى على الحركة، ليس فقط في أوروبا، ولكن أيضا في روسيا والولايات المتحدة، تم تأسيس الحزب السياسي للعمال على هذا الأساس.
وفي إطار الاشتراكية الديمقراطية ، نشأت خلافات فيما يتعلق بشكل ومضمون عمل الحزب، حيث تخلى كل منهما بطريقة أو بأخرى عن مبادئ الاممية الأولى ضرورية للحزب السياسي.
أشار النموذج الأول إلى منظمة سياسية واسعة النطاق، شاركت في العمل الجماهيري البرلماني والصحافة والنقابية، لكنها انحرفت عن الثورة وتغير نظام السياسي، كما انتقد أنجلس برنامج إرفورت، وأشار إلى خطورة هذه “الانتهازية “،التي تريد، في شكل برلماني عاجز، تضييق الأهداف السياسية للحركة. *4

في الأقسام السابقة طوال تحدثنا عن كيفية عمل الميل الانتهازي و الاصلاحي لتغيير المبادئ الاممية الأولى للعمال حول محتوى عمل الحزب ومن ثم كيف أصبحت الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية أن يكون جزء من نموذج الدولة الرأسمالي والبرلمان البرجوازية، ذلك برنامج الثورة الاشتراكية لم يعد في دستورهم وبرنامجهم. في هذا القسم، سنناقش كيفية تغيير هذه المبادئ من قبل البلشفية.
الانحراف البلشفي عن المبادئ الاممية الأولى هو تعريف الحزب كجزء خاص من الطبقة العاملة، التي لديها خط وبرنامج سياسي محدد، وليس حزب الطبقة العاملة بأكملها.
وعملية التغيير هذه أكثر تعقيدا عند البلشيفية من التغيير عند الاشتراكية الديمقراطية للأسباب التالية:
أولا، في روسيا، كان ذلك وقت الثورة الديمقراطية البرجوازية، وكانت الطبقة العاملة جزءً من قوة هذه التغييرات الثورية، مما مهد الطريق أمام البلشفية لتمييز نفسها كجناح ثوري عن ميل الاشتراكية الديمقراطية والإصلاحية المنشفية، والنظر إلى هذا الفارق كأحد المستلزمات الثورة.
ثانيا، أصبح الموقف من الحرب العالمية الأولى قضية قسمت الطبقة العاملة والحركة الاشتراكية الديمقراطية وجعلت من الانفصال البلشفي حقيقة سياسية.

ثالثا، عملت البلشفية كحزب سري وشبه سري حتى تولي السلطة، مع عدم ظهور جميع شخصياتها، مثل الاشتراكيين الديمقراطيين في السلطة والبرلمان، ودائما كانت البلشفية في جبهة المعارضة.

وعلى الرغم من هذا التعقيد، سرعان ما تعرض النموذج البلشفي لانتقادات من تروتسكي*5 و روزا لوكمسبورغ *6 ، وهو شكل من أشكال الحزب يختلف عن الاشتراكية الديمقراطية والشيوعيين في أوائل القرن العشرين. لكن خلال ثورة أكتوبر، أظهر الحزب، مثل “روح الدولة البلشفية”، اختلافه الرئيسي في مبادئ الحزب في الاممية الأولى، الذي سنتحدث عنه هنا.

ليون تروتسكي في عام 1904 في انتقاد هذا النموذج للحزب البلشفي في كتاب “واجباتنا السياسية” يقول ” هذا النمط في السياسة الداخلية للحزب ينتهي في حالة حيث قيادة الحزب تحل محل الحزب ومن ثم اللجنة المركزية سوف تأخذ مكان قيادة الحزب، ونتيجة لذلك، ديكتاتور واحد سوف يأخذ مكان اللجنة المركزية، وسيتم إنشاء وضع حيث لجان الحزب سوف تغير دائما سياساتها دون مشاركة الجماهير”. *7

تصل هذه المركزية الى نظرية الحزب هو خليفة وممثل الطبقة العاملة، التي نتحدث عنها أدناه. ولكن في هذه الفترة، اِنتقدت روزا لوكسمبورغ جزءاً آخر من البلشفية، التي كانت تتعلق بالانضباط داخل الحزب. عندما تتحول الحزب الى نخبة داخل الطبقة العاملة لذلك يحتاج الحزب بالضرورة نوعاً من الانضباط التي تختلف عن الانضباط التلقائي الذي تظهره الطبقة العاملة في النضال الطبقي.

انتقدت روزا لوكسمبورج، منذ عام 1904، النموذج البلشفي هذا التي تقول “أن حزب العمال يجب أن يتبع “الانضباط الأعمى والعسكري”. رداً على هذه النظرية اللينينية للحزب تقول هي في كتابها ” الأسئلة التنظيمية في الاشتراكية الديمقراطية” ، ” اِن الانضباط الذي يدور في خيال لينين كي يفرض على العمال، ليس الانضباط عن الطريق المعمل بل عن طريق العسكرية و بيروقراطية الدولة الحالية، عن طريق مجمل طرق الدولة المركزية البرجوازية. ما هو القاسم المشترك بين الطاعة المنظمة للطبقة المضطهدة والانضباط الذاتي وتنظيم النضال الطبقي من أجل الخلاص؟ إن الانضباط الذاتي الاشتراكي الديمقراطي ليس فقط استبدال السلطة الحاكمة للبرجوازية بسلطة اللجنة المركزية الاشتراكيين. تكتسب الطبقة العاملة شعورا بالانضباط الجديد، وهو في حد ذاته انضباط حر للاشتراكية الديمقراطية ، ليس نتيجة لفرض الانضباط من قبل الدولة الرأسمالية، ولكن من خلال استئصال هذا الانضباط الرأسمالي، وهي العادة القديمة التي تبنتها بالطاعة والخضوع. *8

نفهم هذه المركزية والانضباط عند البلشفية عندما تعرض نظرية خلافة الحزب للينين التي يتم تقديمها بشكل كامل خلال السلطة.
وقال لينين في كتاب ” مرض “اليسارية” الطفولي في الشيوعية ” إن ” كل واحد يعرف أن الجماهير تنقسم إلى طبقات، وأن معارضة الجماهير بالطبقات غير ممكنة إلاّ بمعارضة الأكثرية الكبرى بوجه عام، دون تقسيمها حسب وضعها في نظام الانتاج الاجتماعي، بالفئات التي تشغل مركزاً خاصاً في نظام الإنتاج الاجتماعي، وأن الطبقات في العادة، وفي أغلبية الحالات، وعلى الأقل في البلدان المتمدنة المعاصرة، تقودها الأحزاب السياسية، وأن الأحزاب السياسية، كقاعدة عامة، تدار من قبل جماعات ثابتة نسبيا من الأشخاص الأكثر سمعة ونفوذاً وتجربة، ممن انتخبوا للمناصب الأكثر مسؤولية، ويدعون بالزعماء. ” *9
من هنا، يخلص لينين ” ديكتاتورية الحزب أم ديكتاتورية الطبقة ؟ وديكتاتورية حزب الزعماء أم ديكتاتورية (حزب) الجماهير ؟ » يشهد وحده بتشوش الفكر لدرجة بالغة بل وفظيعة. “. *10
وردا على اتحاد السبارتاكيين الألمان وروزا لوكسمبورغ، الذين ينتقدون هذا الرأي، قال لينين: ” … ويتبادر إلى الذهن هذا السؤال: من ذا الذي يجب أن يضطلع بالديكتاتورية: الحزب الشيوعي أم الطبقة البروليتارية.. هل ينبغي مبدئيا أن نسعى إلى ديكتاتورية الحزب الشيوعي أم إلى ديكتاتورية الطبقة البروليتارية… .؟” *11

ووفقا لنظرية لينين العليا، ينقسم المجتمع إلى طبقات وطبقات الى الأحزاب والأحزاب الى مجموعة من القادة الذين لن يتغيروا. ولهذا السبب تعني ديكتاتورية البروليتاريا ديكتاتورية الحزب، وديكتاتورية اللجنة المركزية، ثم ديكتاتورية الأمين وقيادة الحزب. هذه هي نظرية خليفة للينين، الحزب الشيوعي خليفة وممثل الطبقة العاملة. ولهذا السبب فإن ديكتاتورية الحزب الشيوعي وقراراته وسياساته، هي ديكتاتورية البروليتاريا والمشاركة السياسية وقرار تلك الطبقة.

ومن هنا، يتضح الفرق بين مبادئ أممية العمال الاولى ونظرية خلافة حزب البلشفي هذا، فالحزب لم يعد الطبقة العاملة المنظمة بأكملها، بل نائبها وممثلها، وديكتاتورية هذا الجزء الشيوعي هي نفس ديكتاتورية الطبقة، أي أن نموذج الدولة هو نموذج دولة الحزب الواحد، التي تحكم بدلا من الطبقة العاملة، وهذه المجموعة الحاكمة مستقرة وتعمل وفقا المركزية التي تجعل من سلطة النخبة والفرد القائد نموذجا للحكم والنظام السياسي.

ولكي نعرف الحاجة إلى ظهور هذا النوع نظرية الأحزاب السياسية، نحتاج إلى تفسير نموذج اشتراكية الدولة وعمل هذا الحزب أثناء السلطة في المجالين السياسي والاقتصادي. من هنا نعرف لماذا ذهب الشكل البلشفي نحو البيروقراطية وتنفيذ البرنامج الرأسمالي للدولة؟ ونعرف كيف أصبحت مبادئ وشخصيات الفرقوية البلشفية روح دولة الحزب الواحد وديكتاتورية النخب والفرد، وأصبحت الأساس لتطبيق برنامج الملكية الدولة ورأسمالية الدولة؟

ولكن قبل ذلك، من المهم شرح وجهة نظر لينين عن الحزب ومعرفة الفرق الأساسي بين هذه البلشفية و حزب العمال.
المبدأ الأول الذي غيره البلاشفة هو أن الحزب لم يعد يعكس الطبقة العاملة بأكملها و كل نضالات هذه الطبقة، ولكن فقط تيار وقسم العمال الذين تجمعوا حول برنامج حزبي واتبعوا مركزا واحدا ومجموعة من القادة. هذا كان معاكساً للمبدأ التي ناد بها “البيان الشيوعي” ” إنّ الشيوعيين ليسوا حزبا منفصلا في مواجهة الأحزاب العمالية الاخرى وهم لا يطرحون مبادئ خاصة يريدون قَولَبَة الحركة البروليتارية بقالبها” .*12
خاصةً مناقضة مع مبدأ الاممية الأولى ذكرناها أعلاه، “لا ينبغي تكرار أخطاء التقسيم السابق لحركة العمال، وينبغي الدعوة إلى توحيد سريع لجميع الأجزاء المعزولة من حركة العمال”. كررت البلشفية هذا الخطأ من خلال تعريف الحزب فقط كجزء محدد ومجموعة ذات برنامج محدد، وعدم التعامل مع الحزب على أنه اتحاد من جميع أجزاء الحركة العمالية. وخلافا للقرار الاممية الأولى الصادر عام 1871، “يتعين على الحزب أن يوحد الطبقة العاملة ضد جميع الطبقات الثرية والرأسمالية” و”توحيد الصراعات الاقتصادية والسياسية للطبقة بأكملها ضد الرأسماليين وحكومتهم”.

دعونا نرى أين حدثت هذه الاختلافات في البلشفية مع الاممية الأولى وماركس؟
إن تفسير لينين للحزب ينبع من علم صحيح لتوضيح احتياجات وكيفية عمل الحزب البرجوازي في مجتمع رأسمالي، وليس لحزب العمال، الذي كانت فلسفته ومبادئه وتعمل على عكس حزب برجوازي. . دعونا نرى ما إذا كان هذا التعريف اللينيني للحزب، وهو المرتبات ” الجماهير- الطبقة- الحزب- القيادة”، أو “الطبقة هي الحزب والحزب هو الزعيم”، لماذا تختلف هذا “الألف باء” عند الطبقة العاملة ؟
يمكن للحزب البرجوازي، الذي يمثل طبقة من البرجوازية، تعريفه على أنه مجموعة ثابتة تقريبا، لأن الأحزاب البرجوازية المختلفة هي نتيجة للصراعات بين الشرائح الرأسمالية، التي لها مصالح مختلفة ومتضاربة داخل هذه الطبقة بسبب تركيز و تراكم رأس المال. فالطبقة البرجوازية تنظم العلاقات الداخلية للطبقة على أساس تراكم رأس المال وحماية النظام الرأسمالي، وبطبيعة الحال، فإن هذه العلاقات في صراع مستمر بين الشرائح الرأسمال، وهي عملية تكثيف واستعادة رأس المال في أيدي أقلية من الطبقة، أي القادة، وانهيار الجبهة الرأسمالية الصغيرة. هذا القانون هو يحدد مصير جميع الصراعات الفكرية والسياسية والاقتصادية داخل هذه الطبقة.

لذلك، على الرغم من أن كل هذه الأحزاب البرجوازية هي عموما حامية للنظام الرأسمالي وعبودية القوى العاملة للعمال، فإن هذه الأحزاب تدخل أحيانا في حرب على الثروة فيما بينها.

بين الطبقة العاملة لا يلعب قانون الثروة والربح دورا في التنظيم الداخلي لهذه الطبقة، بل قانون يحدد العلاقة الاجتماعية الداخلية للطبقة العاملة، وهي نضال وتضامن الطبقة بين جميع العمال لتغيير نظام الصراع الرأسمالي، وهذا يتطلب وحدة وتعاون وتعايش الطبقة العاملة بأكملها، ومن هنا تحدث خلافات جوهرية في شكل الحزب و عمل حزبي عند العمال، وهو ما يختلف عن الحزب البرجوازي. ولا يوجد مصالح متباينة اقتصادياً أو صراع بين العمال حول كيفية الاستيلاء على عمل الآخرين ومنتجاتهم وثرواتهم لاشترط المنافسة السياسية والعسكرية والحرب. لذلك، فإن إنشاء “أحزاب وقطاعات وقادة مستقرين” ليس هو القانون الذي يهيمن على التطور السياسي للنضال الطبقي للعمال، فلا يمكن لمثل هذه النتيجة، “الطبقة هي الحزب والزعيم هو الحزب”، أن تتوافق مع الطبقة العاملة بنفس الطريقة البسيطة الذي موجودة عند البرجوازية، ما لم يصبح حزب العمال هذا حزب بيروقراطي ويتحول إلى حزب برجوازي أقلية عندما يصل إلى السلطة.

بل على العكس من ذلك، فإن العمال مهتمون بتوحيد صفوفهم والقضاء على صراعات فيما بينهم، لأنها تمنعهم من أن يكونوا قادرين على انهاء سلطة الظالمين عليهم، وهذا يتعلق بتحرير كل الطبقة العاملة من جميع المكونات والأجزاء مقسمة إلى بلدان وأمم مختلفة. الطبقة التي تخلق مجتمعاً جديداً للبشرية، وليس لفئة معينة أو مجموعة. هنا، لا يوجد حديث عن اتجاه سياسي وفكري يمكن أن يغير المجتمع بسبب أيديولوجيته أو يمنح الشيوعيين امتياز إنشاء دولة لأنهم يعبرون عن ظروف تحرير الطبقة العاملة من الناحية النظرية.
ولذلك، وعلى عكس أشكال وآليات عمل الأحزاب السياسية البرجوازية، فإن أحزاب العمال هي ليست “مجموعات شبه مستقرة من الأشخاص المعروفين والمؤثرين وذوي الخبرة، وتسمى القادة”.
يوضح غرامشي كذلك أن حزب العمال والاتحاد العمال ينظمان رغبات جماعية ومشتركة من الطبقة العاملة الذين يرغبون في تغيير العالم الرأسمالي، ولن تنشأ هذه الرغبة المشتركة إذا لم تأت جماهير هذه الطبقة إلى الساحة السياسية، فالحزب هو الأداة التي تنظم وتشغل هذا الأمر، النزول إلى الميدان، وتنير الجمهور وتشكل إصلاحات أخلاقية. و الحزب ليس كفئة اجتماعية، ولكن كطبقة تريد إنشاء دولة. فالطبقة تنشئ أحزابا، وتشكل الأحزاب شخصية الدولة والحكومة. حزب “روح الدولة”. ما هي عملية إنشاء هذا الحزب؟
كل طبقة لديها مثقفيها الخاصين. هذه هي التعبيرات عن نمو تركيب طبقاتهم وتمثل استمرارا تاريخيا. هذه الشريحة المثقفة للطبقة العاملة ستنشأ تاريخيا، تحت التأثير العام للمجتمع ووفقا للظروف التي نشأت، حياة وتطور الطبقة، من أجل القيام بواجباتها ليس فقط في المجال الاقتصادي، ولكن أيضا في الساحة الاجتماعية والسياسية، وخاصة في الاستجابة للقضايا المعقدة المتمثلة في اكتساب السلطة لهذه طبقة.
وفي متابعة لهذا الموضوع، حول كيف يتم تشكيل مجموعات مختلفة؟ يقول غرامشي: “إن إنشاء الجماعات المثقفة الشيوعية داخل الطبقة العاملة مشكلة معقدة لأنها تتخذ أشكالا مختلفة جاءت من التاريخ الحقيقي لتشكيل الطبقة والفئات المختلفة من المثقفين من هذه الطبقة.

ولكن الفصل بين هذه المجموعات كفرق مختلفة يعني هيمنة “النزعة المحفلية التي في حد ذاتها غير سياسية “. ولا يمكن لهذه الجماعات تشكيل حزب سياسي من الطبقة العاملة حتى يتم إنقاذها من هذه المحفلية، فالحزب السياسي العمالي يجب أن يكون تجمع كل الجهود والجماعات والبرامج العملية في جميع أنحاء طبقته ضد السلطة الرأسمالية. “عندما يصبح هذا الحزب ضرورة تاريخية ل “النجاح”، ولتطوير وضعه ليصبح سلطة الدولة، أو سيكون على الأقل في هذه العملية. وهذا الوضع سيسمح بالتغيير والتنمية في المستقبل، و يكون هذه التطورات مرئياً “.
وقد اختلف فهم ماركس وأنجلس للحزب عن هذا الفهم الضيق والطائفي عن ذلك الذي يهيمن حتى الآن على جميع أجزاء الماركسية واللينينية والتروتكسية والماوية والحكمتية وما إلى ذلك في القرن العشرين ولا يزال في نفس النمط. “هذه الأهداف والميول العامة للعمال سوف تنشأ من الاوضاع العامة للطبقة، و سنجد هذه الأهداف والميول في الطبقة كلها ، و هذه الحركة سوف تعكس مجموعة متنوعة من الخيال المتنوعة في رأسها ، على الأقل خلاقة جدا أو على الأقل ذات الصلة جدا للظروف التي هو الطبقة”. *13
هذا هو علم التشريح السياسي للطبقة العاملة ونضالها الطبقي .
وبحسب هذا العلم، فإن حزب العمال رغم البرامج والحركات والميول المختلفة بين الطبقة العاملة يمكنه جمع كل هذه البرامج والميول والقيادات المختلفة في نمط حزبي واحد، لأن مبدأ حزب العامل يحتاج إلى أن “يتعين على الحزب أن يوحد الطبقة العاملة ضد جميع الطبقات الثرية والرأسمالية” و”توحيد الصراعات الاقتصادية والسياسية للطبقة بأكملها ضد الرأسماليين وحكومتهم”.
على حسب قوله. من الضروري جمع كل المجموعات السياسية والمنظمات الجماهيرية للعمال في أجماع ضد الطبقة البرجوازية وحكومتها لأن “الهدف النهائي للنضال السياسي للطبقة العاملة هو تحرير الاقتصادي العمال وينبغي النظر إلى كل حركة سياسية على أنها وسيلة فقط” *14

حزب العمال، مثل هذه الأداة السياسية، لا يقوم على الصراع ولا يهدف إلى تصفية الحسابات بين الطبقة العاملة، كما هو الحال في الحزب البرجوازي، بل على العكس من ذلك، فإن الحزب هنا مسؤول عن القضاء على الصراعات بين الطبقة العاملة وتوحيد الطبقة بأكملها، ومن ثم إنهاء ضرورة الحزب نفسه والسلطة السياسية للحزب في مجتمع شيوعي.

مشكلة البلشفية مع مبادئ الاممية الاولى العمالي هذه هي أن هذا الشكل البلشفي للحزب يعتبر نخبة واحدة فقط وأكثر من المثقفين أصحاب الحزب، وهو ما يميز نفسه عن بقية الطبقة من خلال برنامج وخط سياسي، وهذا الفصل يعني الحفاظ على الحزب أقلية، وهذا القطاع سيستمر بعد ذلك في تكثيف داخل الحزب نفسه في مجموعة مختارة، الأمر الذي سيضمن آليات بقاء هذه المجموعة. وهي “مجموعة مستقرة تقريبا من الأشخاص المعروفين والمؤثرين وذوي الخبرة، وتسمى القادة”، وليس من الطبقة العاملة بأكملها التي تريد إقامة مجتمع بعيد عن سلطة الأقلية والنخبة السياسية.

هذا هو السبب في حزب الأقلية لحكم الطبقة العاملة والمجتمع إلزامي يجلب شكلا بيروقراطيا معها.
البيروقراطية هي حكم الأقليات من حيث المبدأ وعلامة على انفصال الحزب عن الطبقة بأكملها. وفي حين يحل الحزب محل الطبقة العاملة ويحل الزعيم محل الحزب، يحكم الحزب والقادة الطبقة كأقلية باسم التمثيل، الذي ينتج في نهاية المطاف دولة بيروقراطية وديكتاتورية فردية.

ولهذا السبب لم تكن البيروقراطية في الدولة السوفيتية نتاجا مباشرا للسياسة الاقتصادية، كما يوضح منصور حكمت *15، بل كانت نتاج النموذج السياسي لاشتراكية الدولة التي تمثلها البلشفية وكانت داخل الحزب منذ البداية، وبعد ذلك عندما تصبح روح الدولة هذه دولة البلشفية، نرى علاماتها على الفور.

وفي الوقت نفسه، فإن هذا النموذج في حزب الأقلية حتما يكون الطائفية و يمثل مجموعة وخط سياسي، وليس الطبقة بأكملها. إن بقاء عنصر المحفلية هذا في حركة العمال والشيوعية هو علامة على عدم وجود الوعي الطبقي بالرغبة المشتركة للعمال، ويعني أيضا أنها ليست حالة نجاح ناضجة و علامة على عدم وجود الضغط الذي يجعل الحزب الرغبة التاريخية.

تتحول الطائفية إلى المحفلية، وداخل الحزب وداخل الطبقة العاملة في تلك المراحل، عندما تواجه الحركة تغييرا في الظروف الخارجية، لا يمكنها اجتياز الازمة بشكل الكتل السياسية، حتى يستطيع الحزب تجميع جميع مستويات الحزب وحركة العمال من خلال اتحاد الإرادة والمركزية الديمقراطية كحركة كاملة و شاملة. عندما يحدث الانشقاقات الطائفية في الطبقة العاملة يجب تصحيح “الاسس والمبادئ المحددة” التي تهيمن وتؤدي إلى ظهور هذه الطائفية.
وهنا نفهم الفرق بين الانضباط الذاتي لروزا لوكسمبورغ والانضباط البيروقراطي للينين.

هذا الحزب الطائفي يعمل ليس مثل “التوفيق بين الرغبة الجماعية والمشتركة للطبقة العاملة، التي تريد تغيير العالم الرأسمالي. بل إنها تعمل كشريحة وفئة اجتماعية لها جماعتها الخاصة به ولديها انضباط محدد. إن الانضباط الذاتي الذي يتعلمه العمال من النضال الطبقي ويعتمدون على الهدف الاجتماعي المتمثل في تغيير المجتمع البشري لا مكان له في هذا الحزب ويحل محله الانضباط العسكري الأعمى.

البيروقراطية مع هذه الطائفية مزدوجة وتكمل بعضها البعض. عندما تصبح المحفلية شكلا من أشكال الحزب والحركة، ستكون آلية عمل هذه الأحزاب والجماعات البيروقراطية. سيتم فصل الحزب والجماعة المثقفة من الطبقة حسب الحدود التي يتم بها فصل هذه الاحزاب و الفرق من بعضهما البعض. لذلك ، عندما لا يكون هناك انسجام بين القادة والجماهير ، سيواجه “الزعماء” بالشلل. “في غياب علاقة عضوية بين المثقفين وكتل العمال، أو تقصير هذه العلاقة بالعلاقة البيروقراطية “للقيادة” مع “الأعضاء”، سيصبح هؤلاء المثقفون والقادة فرقة و مجموعة تعتبر نفسها “مستقلة” عن الطبقة وتعتبر نفسها “دولة”. لذلك ، يواجهون cardonism الكاردونية، مما يعني عدم محاولة القادة إقناع التابعين و يطلبون منهم الانضباط والخضوع دون إظهار عقلانية. في حال داخل حزب العمال، ينبغي استجواب مجموعة القيادة، وليس الخضوع لهم. هذا هو الفرق في فلسفة حزب العمال من الحزب البرجوازي الذي فيه القيادة يخدم، وليس السائد.

في كتاب “الأمير الحديث”، يتحدث غرامشي عن المركزية الديمقراطية على أنها تتعارض مع المركزية البيروقراطية. وهو يتحدث عن العلاقة “العضوية” بين أجزاء الحزب، وليس توزيع المناصب القيادية والأعضاء و خضوع الأسفل للأعلى. وقال إن المركزية في الحركة العمالية هي” تثبيت الاستمرارية في التنظيم الحركة الفعلية، هي استمرار مشاركة العناصر نازلة في الرتب ورفع العناصر التالية في إطار وكالة القيادة التي تضمن استمرار وجمع المنظم للتجارب”، وهذا مثال على “روح الدولة” العمال المؤقتة، والتي تظهر نفسها في حزب العمال على أنها نقيض الحزب البيروقراطي البرجوازي، وتخبرنا كيف أن الطبقة العاملة تدرب نفسها بالفعل في المدرسة الحزبية ضد بيروقراطية “موظفي الدولة” و عمل على حل الحزب والدولة والبيروقراطية.

سنرى بعد في ممارسة حزب البلشفي خلال السلطة، هذه الحقيقة بأن “ظهور البيروقراطية هو علامة ملء الجماعة القيادية التي تصبح قوة محافظة ومنغلقة تخنق ولادة قوى المعارضة، بالرغم من تناغم هذه القوى في مصالح الرئيسية معها “لهذا السبب يصف غرامشي البيروقراطية بأنها أخطر علاقة خفية، وكما يقول هوبسباوم، “كان غرامشي على علم بالخطر المركزية البيروقراطية والبيروقراطية و كانت ضد النمو الستاليني في الاتحاد السوفياتي وهذا خلق مشاكل له في السجن . و هذا هو نفس التحذير الذي يعطيه ماركس عندما يقول “الطبقة العاملة يجب أن تحمي نفسها من ممثليها وموظفيها” ويعلمنا أن الحزب والسياسة هما وسيلة في أيدي الطبقة العاملة لإنهاء اضطهاد الرأسمالية والاختلافات الطبقية وكلما كانت هذه الأدوات تغدو مقدسة فيعني أن الهدف أنتهى قداسته.
من خلال توضيح هذه التغييرات البلشفية على نموذج حزب العمال، الذي طرحته الاممية الأولى للعمال، ندرك أن مشكلة نموذج البلشفية ليست ستالين فقط، كما يقول تروتسكي وتوني كيلف، و ليس “عدم وجود برنامج اقتصادي” كما يقول منصور حكمت، بل أن المشكلة الرئيسية هي النموذج الاشتراكية الدولة التي هي نفسها ينعكس في الحزب والدولة والاقتصاد. إنها تظهر كحزمة. لذلك، منذ البداية، قلنا نحن بحاجة إلى النظر في تفسير نموذج اشتراكية الدولة وعمل هذا النموذج البلشفي خلال السلطة في المجالين السياسي والاقتصادي، ومن هنا نعرف لماذا ذهب نموذج الاشتراكية البلشفية نحو البيروقراطية وتنفيذ برنامج الرأسمالية الدولة. في الأقسام التالية، سنواصل شرح نموذج البلشفي السياسي والاقتصادي لفهم جميع جوانب هذا النموذج من اشتراكية الدولة.

ما نتج عن هذا القسم هو العودة إلى مبدأ حزب العمال للأممية الأولى التي تؤكد على ضرورة أن تكون أحزاب العمال حزب الطبقة كلها وعمل هذا الحزب لتوحيد النضال السياسي والاقتصادي ضد الرأسماليين والاستيلاء على السلطة السياسية من قبل كل الطبقة العاملة لتحقيق الخلاص الاقتصادي والقضاء على الطبقات والمجتمع الطبقي، وهذا النموذج في حزب العمال يمكن أن يجيب على كل هذه الانقسامات والخلافات داخل الحركة العمالية و الشيوعية و وضعنا على هامش الصراع السياسي والاجتماعي وأضعفت الصراع الطبقي للعمال.

خاصة هذا الموضوع في هذه المقاطع الثورية من عالم اليوم يحدد مصير هذه الحركة الثورية الحالية ضد الليبرالية الجديدة والرأسمالية العالمية بأن تصبح الحركات العمالية والشيوعية قوة اجتماعية ذات هيمنة سياسية والحزب الذي بديل للرأسمالية يقدم مرة أخرى قوتهم الطبقية، أم أننا ما زلنا نواصل تاريخ نموذج اشتراكية الدولة الفاشلة في القرن العشرين والبلشفية؟ هذا هو النقد الذي يجب أن نأخذه على أنفسنا إننا سوف نتخلص نتخلص من كعب (أخيل) هذا Achilles_heel*16 المحفلية.

المصادر:
*1 مارکس، الاممية العمال الاولى ، ١-;-٨-;-٦-;-٤-;-
https://www.marxists.org/history/international/iwma/documents/1864/rules.htm

https://www.marxists.org/archive/marx/iwma/documents/1872/hague-conference/resolutions.htm2 *2
ماركس، الاممية الأولى ، 1872
*3 ماركس و أنجلس ، البيان الشيوعي
https://www.marxists.org/arabic/archive/marx/1848-cm/02.htm
*4 أنجلس ، نقد برنامج إرفورت ،باللغة الإنجليزية،
https://marxists.catbull.com/archive/marx/works/1891/06/29.htm
*5 تروتسكي كتاب “واجباتنا السياسية” https://www.marxists.org/archive/trotsky/1904/tasks/ch04.htm
*6 روزا لوكسمبورغ ، ” أسئلة التنظيمية في الاشتراكية الديمقراطية”
https://marxists.catbull.com/archive/luxemburg/1904/questions-rsd/ch01.htm
*7 أرنست ماندل ، حول تنظيم الذاتي لطبقة العاملة والحزب التقدمي ، https://www.marxists.org/farsi/archive/mandel/works/1990/khod-sazmandehi-hezb.htm
* 8 روزا لوكمسيبورغ ” أسئلة التنظيمية في الاشتراكية الديمقراطية”لروسيا، باللغة الإنجليزية،
https://marxists.catbull.com/archive/luxemburg/1904/questions-rsd/ch01.htm
*9 لينين ،” مرض “اليسارية” الطفولي في الشيوعية ”
https://www.marxists.org/arabic/archive/lenin/1920-lwc/05.htm

*10 نفس المصدر
*11 لينين ،” مرض “اليسارية” الطفولي في الشيوعية ”
https://www.marxists.org/arabic/archive/lenin/1920-lwc/05.htm

*12 https://www.marxists.org/arabic/archive/marx/1848-cm/02.htm”البيان الشيوعي”

*13 غرامشي ، دفاتر السجن ، المحفلية والبيروقراطية في الحركة الشيوعية

مارکس و حزبی کرێکاری


*14 ماركس , الاممية الاولى العمالي, 1864باللغة الإنجليزية، قواعد رابطة العمال الدولية 1864ا، أكتوبر 1864
https://www.marxists.org/.in.iwma/documents/1864/rules.htm
*15 منصور حكمت الخط الرئيسي للنقد الاشتراكي في تجربة ثورة العمال في الاتحاد السوفيتي
http://hekmat.public-archive.net/
*16 http://en.wikipedia.org/wiki/Achilles%27_heel

Add Comment

Click here to post a comment